اللحظة التي شكلت أمة بروناي الإسلامية
لقاء السلاطين، اللحظة التي شكلت أمة بروناي الإسلامية
في رحلة لم تكشف عن أسرارها كلها للتاريخ يلتقي سلطانان عظيمان من الملايو، أحدهما جاء زائرًا لمملكة جاره، فعاد محملًا بهدية يصعب أن تقدر بثمن!
هنا من مملكة بروناي (Brunei) عام ١٣٧٦م ينطلق الحاكم (اوانق الاق بيتاتار) (Awang Alak Betatar) من موقعه في جنوب شرقي آسيا، نحو سلطنة ملقا (أو مالاكا) الإسلامية، حيث مدينة ملقا الماليزية اليوم، كانت ملقا في أوج ازدهارها ورونقها، السفن البحرية تجيء وتذهب عابرة مضيق ملقا شرقًا وغربًا، ملامح البشر هنا تدل على مختلف الأعراق، تجار صينيون يقايضون البضائع، كثير من الملايو والهنود والعرب أيضًا، كان المكان أشبه بملحمة لكل الأجناس، تلتقي لغرض واحد، ثم يعود بعض منهم إلى موطنه ويبقى البعض الآخر.
لكن ذلك لم يكن الشيء الذي شدَّ السلطان (أوانق) في ملقا، بل كان أمرًا أكثر عمقًا من ذلك، في طريقه نحو القصر كان شاهدًا على حضارة عظيمة تمثلت في قيم الإسلام الذي زينت ملقا وأضفى لها بعدًا آخر، كانت أمانة التجار وصدقهم قد أسرت قلبه، كذلك مشهد الانضباط وهم يسوون صفوفهم ويسدون الثغرات قيامًا للصلاة، توقُّف الحياة في بؤرة السوق من يوم الجمعة، كل يغلق دكانه ويلبي نداء الله، حسْن الضيافة، جمال ما سمع وعرف عن الإسلام وما شاهد بأم عينيه، كل ذلك قلب فؤاد سلطان بروناي رأسا على عقب!
كان في قلب وفكر حاكم بروناي سؤالٌ، ربما، لم يطرحه على أحد، لعله رأى في ملامح مواطنيه مزيجًا يشبه ذلك الذي شهده عند جاره في ملقا، في حيرة يتساءل عن ذلك الأمر الذي يستطيع به جمع كل هؤلاء الناس تحت راية واحدة؟ كيف لهم مثلًا أن ينظر أحدهم للآخر فيشعر بالإنتماء دونما تخوف، ويشعر بواجب الدفاع عنه حيثما اقتضت الظروف؟
في القصْر يلتقي السُّلطانان، الأول هو محمد شاه حاكم سلطنة ملقا الإسلامية، والآخر ضيفه (اوانق الاق) حاكم سلطنة بروناي والتي ستغدو إسلامية أيضًا، تُغلق الأبواب، وتُضاء القناديل، يهْتدي قلب السلطان (اوانق) إلى ضالّته، فيعمّ نور الإسلام الأرجاء.
يعود السلطان من رحلته إلى بروني وقد غير اسمه إلى (محمد شاه) يعود فيعلن في أرضه أول سلطنة اسلامية رسمية، ولأول مرة تكون بروناي دولة تعتبر الإسلام هو ديانتها الأساسية، ويبدأ عصر جديد للإسلام في بروناي التي ستظل محتفظة به حتى يومنا هذا.
أصبح بإمكان الصينيين والهنود والسكان الأصليين من الملايو وبعض الأوروبيين القاطنين هناك والعرب وبلدان جنوب شرق آسيا وغيرهم من العرقيات الموجودة في بروناي أن يتحدوا جميعًا تحت راية واحدة، وأن يجمعهم شيء متين، العقيدة الإسلامية، وبذلك فتح محمد شاه الطريق لسلطنة بروناي كي تصبح أمة إسلامية بحد ذاتها، قويت أواصرها مع مرور الزمن، حتى صارت اليوم من أكثر الدول الإسلامية استقرارًا، وأَرغدها اقتصادًا ومعيشة.
تعاقَب السلاطين المسلمون على حكم بروناي بعد وفاة محمد شاه عام ١٤٠٢م، أقبلت شعوبهم عليهم محبة واحترامًا، كان لبعضهم أثر كبير في توسع الإسلام، كالسلطان الشريف بن عجلان، وعاصر بعضهم أيامًا عصيبة إبان قدوم المستعمرين ورحلات المستكشفين الصليبين، خصوصًا مع كل ما حبا به الله هذه البلد من ثروات طبيعية لا تحصى، استمر حكم السلاطين المسلمين حتى وقعت بروناي تحت الإستعمار البريطاني، لتبدأ من بعد ذلك قصة أخرى لا تخلو من الإسلام أبدًا في كل تفاصيلها، حتى صار اسمها اليوم (بروناي دار السلام) أو ( أمة بروناي) Nation of Brunei .