أنتوني تاجر عقارات نيويورك


هل كان تاجر العقارات هذا أول مسلم حر وصل إلى أمريكا؟ يقولون إن والده كان قرصاناً من هولندا، ولكنَّه أسلم وتزوّج امرأة مغربية من مدينة سلا. من هو أنتوني يانسن فان سالي" المسلم الذي خلّد اسمه في تاريخ أمريكا.

هنا على بعد شارع أو شارعين شمال حي (وول ستريت) مركز مدينة نيويورك النابض بالحياة وفي منتصف القرن السابع عشر، امتلك (انتوني يانسن فان سالي) قطعة أرض زراعية اشتراها من شركة الهند الهولندية آن ذاك والتي كانت تنْشَط في نقل المستعمرين أيضاً من أوروبا إلى أمريكا.

وقتها.. لم يكن يعرف أن صك الملكية هذا سيباع في المزاد العلني لاحقاً بعد عدة قرون بمبلغ تصل قيمته إلى ٢٧ ألف و٥٠٠ دولار أمريكي لصالح جمعية التاريخ في بروكلين والتي توثق لتاريخ نيويورك أو (نيو أمستردام) المستعمرة الهولندية كما كانت تعرف ٱن ذاك، إذ أن هذا الصك بالتحديد هو وثيقة تاريخية مهمة تشير إلى أول مهاجر مسلم حر قرر الانتقال للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٦٣٠م، الدولة التي كانت قد بدأت للتو بالنمو والازدهار.

إنه (أنتوني يانسن فان سالي) المهاجر المسلم، (أنتوني التركي) كما شاع في الوثائق؛ إذ كان الغربيون يطلقون على كل مسلم لقب تركي تأثراً بالخلافة العثمانية وقتها، رغم أنها كانت تعيش أيامها الأخيرة. 

 كانت أمريكا  تعدُّ مستعمرة أوروبية  اقتسمتها أوروبا فيما بينها، هولندا بالتحديد أطلقت في نهاية القرن السادس عشر برنامجاً استعمارياً كبيراً، وكذلك كل من انجلترا و فرنسا وبريطانيا، كان المهاجرون الأوروبيون من خلفيات مختلفة وكذلك طبقات متباينة يقدمون إليها باعتبارها أرضاً خصبة للفرص الجديدة والتجارة، كان لايزال في أمريكا العديد من المستعبدين الأفارقة المسلمين، اشتهر بعضهم بذكائهم وحرفيتهم،  بالإضافة لمستوى تعليمهم العالي إذ كان معظمهم يعرفون القراءة و الكتابة جيداً الأمر الذي لم يعجب الملاك الأوروبيين، لدرجة أن تُصدر إسبانيا خمسة مراسيم خلال القرن السادس عشر تحظر فيها جلب المستعبدين الأفارقة المسلمين بالتحديد إلى مستعمرات أمريكا، بالاضافة إلى كل ذلك كانت لا تزال بعض المناطق تشهد صراعاً مع السكان الأصليين لهذه الأرض.

 

 

"كانت نيو أمستردام مكانًا عالميًا إلى حد ما، وقفة واحدة في عالم أطلنطي شاسع ومتسع، كان هناك أناس من أعراق وديانات مختلفة، كل شيء من العبيد إلى الركاب إلى الطواقم على متن السفن إلى التجار."

 جولي جوليا، أمينة التاريخ والعلوم الاجتماعية والمعلومات الحكومية في مكتبة نيويورك العامة

وفي ظلّ كل هذه التعقيدات على الصعيد الاجتماعي ترى هذا الشاب المسلم مع زوجته يقرران المجيء إلى أمريكا كمهاجرَين، لا بدَّ وأن الأمر كان يتطلب سعة نفسية كبيرة لتقبل كل هذا الإختلاف.

هذه البيئة العجيبة لم تكن سوى شيء بسيط من حياة (أنتوني)، إذ إنه هو أيضاً صاحب حياة غنية في حد ذاتها، فهو ابن القرصان الهولندي المشهور الذي أطلق عليه لقب (مراد قبطان) بعد إسلامه وتركه للقرصنة، أما عن والدته فهي مغربية الأصل التقى بها والده في المغرب فتزوجها وأنجباه في مدينة سلا المغربية، وفيها نشأ وترعرع، وكان له نصيب من اسمها أيضاً فيكون (فان سالي) تيمناً بها.

ومن ثم وليكتملَ كل هذا الخليط تزوج أنتوني في هولندا من (غريتسي رينيرس) ذات الأصول الألمانية والتي رافقته في رحلته نحو أرض أمريكا الجديدة.

ذاع صيت أنتوني في (نيو أمستردام) أو نيويورك اليوم، حيث نجح في استثمار أمواله وشراء العديد من الأراضي والعقارات حتى صار اسمه على كل لسان، لكنه بالتأكيد واجه أيضاً الكثير من الصعاب خلال رحلته ما جعله يتردد على أروقة المحاكم أغلب الوقت، كان إسلام فان سالي وانفصاله عن الكنيسة بالإضافة إلى ثروته المتنامية تهديداً للعديد من المسيحيين الذين قد لا يرغبون بتواجده، إلا أن تلك الأيام ولَّت، بفضل الله، حتى صار لاحقاً شخصية يلجأ إليها الجميع لأخذ الاستشارات في العقار والتجارة.

"لقد كان أول شخص من خلفية إسلامية نعرفه انتهى به الأمر بالاستيطان وامتلاك الأراضي في المنطقة التي أصبحت الولايات المتحدة".

- قمبيز غنيباسيري

 

 

توفي فان سالي عام ١٦٧٦م ، تاركاً خلفه أربع بنات صرنَ فيما بعد أساس أغنى العائلات المالكة في أمريكا، واستطاع قُبيل  وفاته بعامين أن يرى اسمه ضمن  قائمة (الألف) الضريبية والتي كانت توثق لأغنى الملاك في مدينة نيويورك أو نيو أمستردام آنذاك، كان لإسلامه الأثر الكبير وقتها في مجتمع صعب لم يكن يعرف بعد كيف ستنسجم كل هذه الأطياف المختلفة مع بعضها البعض، لكنك ترى حدثاً آخر كبيع مصحف كان يمتلكه أنتوني  في مزاد علني أيضاً بآلاف الدولارات، فيجعلك تتساءل  ترى كم من  مساهمات أخرى لم تسجلها الوثائق أو صكوك الملكية قام بها خلال حياته الثرية والتي كانت لتساوي في قلوب المسلمين أكثر من ذلك؟

اليوم أصبحت أمريكا أرض الجميع بأديانهم وأعراقهم المتنوعة، وأصبح للمسلمين مكانة كبيرة إذ يقوم زعماء أمريكا سنوياً بعقد إفطار رمضاني سنوي بالبيت الأبيض تدعى إليها الجالية المسلمة، واليوم أيضاً لم يعد غريباً أن يحظى المسلمون بوضع مادي مرموق أياً كان عرقهم، تُرى كيف كان سيرى أول المهاجرين المسلمين هذا التغيير في بلد صار تعداد المسلمين فيه أكثر من ٣ ملايين ونصف المليون مسلم؟



شارك هذا المقال :


بحث