شارك هذا المقال :


بطل كهف البشرات

الدولة: إسبانيا

(فلتعلم أيها الأمير، وإني أُشهِد الله أني لست من طلّاب الدنيا والملك، وحيث أن الأمة الأندلسية قد انتخبتني سلطاناً عليها فإنني لن أستسلم ولو ظللت مجاهداً وحدي في البشرات). دييغو ..

دييغو لوبيز؟.. لا أحد في قرى البشرات بات يتذكر هذا الاسم فقد مرت أكثر من عشرة أعوام منذ أن تخلى (ابن عبو) عن اسمه النصراني ذاك، في الوقت الذي أصبح اسمه الجديد مثيراً للرُّعب فى كل أنحاء غرناطة وما حولها، فمنذ استلامه القيادة بعد اغتيال صديقه محمد بن أمية، عمد (ابن عبو) إلى تنظيم صفوف المجاهدين وجلب الأسلحة من المغرب والجزائر، وتكثيفِ هجماته وتوسيع حدودها لدرجة أن أحد قواد ملك إسبانيا أرسل إليه رسالة يطلب فيها منه الهدنة والاستسلام. 

فكان ردُّه: من ابن عبو إلى خوان النمساوي:

(لقد استلمنا رسالتكم المؤرخة بالثَّامن عشر من أبريل ١٥٧٠م وطلبكم بإيقاف هذه (الحرب المشؤومة) كما وصفتم، وإذ نستغرب منكم هذا الوصف وأنتم من بدأتموها فنقضتمُ العهود وأرغمْتمونا على التخلّي عن ديننا، فمن هو على حق؟ وكيف لنا أن نستسلم وجهادنا على حق).

وبعد أكثر من عقد تعود المفاوضات من جديد، فيرسل ابن عبو أحد قواده واسمه الحبقي ليفاوض عن المجاهدين، لكن الأخير يروج للاستلام ويحاول الخروج علي ابن عبو فيُعدمه الأخير. 

ومرة أخرى يرسل خوان النمساوي شقيق ملك إسبانيا إلى ابن عبو للتفاوض والاستسلام مقابل عروض شخصية مغرية له، فماذا كان جواب ابن عبو؟

(فلتعلم أيها الأمير، وإني أشهد الله أني لست من طلاب الدنيا والملك، وحيث إن الأمة الأندلسية قد انتخبتني سلطاناً عليها فإنني لن استسلم ولو ظللت مجاهداً وحدي في البشرات، ولتعلم أن ما لدي من الغذاء والماء يكفيني لمدة ست سنوات وإذا انتهت مؤونتي فعبُور البحر لأرض المسلمين أخْيَر لي على الاستسلام).

مع الأيام ينجح الإسبان في تمرير قواتهم داخل الحصون القوية للمجاهدين، تارة بالخدع وتارةً أخرى بالخيانات.

فيتقلَّص جيش المجاهدين إلى ٤٠٠ مجاهد فقط، يتحصَّن معهم ابن عبو فى أحد كهوف البشرات ويمضي فى جهاده.  

ومع ذلك لم يستطع الإسبان الانتصار عليه، إلا من خلال أحد جنوده الخونة واسمه (الشونيش)، كان هذا الأخير قد قبل الإغراءاتِ الشديدة من الإسبان بالعفو عنه وعن أهله وتسليمه زوجته وابنتيه الأسيرات، في مقابل قتل ابن عبو.

 

 

مرت (13) عاماً منذ أن وصل ابن عبو إلى هذه الجبال، وها هو يستشهد رحمه الله في الثالث عشر من مارس من العام 1571م.

ستحمل القوافل العائدة جثمانه عبر ذات المسارات التي صعد بها حينما جاء رفقة صديقة ابن أمية، ولكن إلى أين؟

هناك تحت الجبل كان الإسبان ينتظرون الخونة ليتسلَّموا جثة ابن عبو، ويعلنوا انتهاء هذا الكابوس، لكنهم ما كان لهم أن يكتفوا بدفنه وهم الذين أعياهم جهاد ذلك البطل كل تلك المدة، فحملوا جثمانه إلى غرناطة التي كانت قد استعدّت للاحتفالاتِ الضخمة، ووُضِعَ في قفص حديدي وأُلبس لباساً كاملاً ثم حملوه على فرس فطافُوا به في المدينة، ثم ذهبوا به إلى المحكمة ليُعدم وهو ميت قبل أن يسحَلوا جسده ويُحرقوه، حتى تبقّى شيء واحد:  رأسه.

لم تكن الصقور الجائعة أن تأخذ شيئاً منه، لكن الريح في الليالي الباردة كانت تعصف به لأكثر من ثلاثين عاماً معلقاً في قفص باتجاه البشرات التي لم تنسَ حجارتُها جهادَهُ.

 



شارك هذا المقال :
الدولة: إسبانيا


بحث