ضمير كلاي
"ضميري لا يسمح لي أن أقتل إخوتي، أو أن أقتل أناساً بسبب لونهم، أو أناساً مساكين يعيشون في الوحل، من أجل أمريكا القوية العظمى…" محمد علي كلاي.. كيف أيقظت كلماته ضمير الشعب الأمريكي خلال حرب فيتنام؟
هنا في هذه الزاوية الدافئة من المنزل حيث تشرق الشمس، أريكة وطاولة صغيرة مستديرة، خذ رشفة من قهوة الصباح والمزاج المعتدل، واحمل بيدك هذه الصحيفة، صحيفة النيويورك تايمز، أنت الآن في أمريكا بعد عدة سنوات من عام ١٩٦٧م، ستجد مقالاً يتحدّث عن أهم أحداث ذلك العام! محمد علي و حرب فيتنام!
"ماذا كان ليحدث لو كان لدينا الآلاف من محمد علي؟" هكذا يتساءل صاحب المقال، عن تلك المبادئ التي آمن بها الملاكم المسلم الأشهر على وجه التاريخ! والتي جعلته يخسر أموالاً طائلة معرضاً سنين تألُّقه في حلبات الملاكمة وهو في ريعان شبابه إلى الضياع خلف قضبان السجن!
جاء هذا التساؤل في الصحيفة متأخراً بعدما خاض محمد علي معركته في حلبة الكلمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٦٦م، لم تكن عقول العامة تسع أن يرفض مسلم أسود الخدمة العسكرية التي فرضت عليه حينما قررت الولايات المتحدة غزو فيتنام، وكانت آنذاك في ذروة الحرب!
"ضميري لا يسمح لي أن أقتل إخوتي، أو أن أقتل أناساً بسبب لونهم، أو أناساً مساكين يعيشون في الوحل، من أجل أمريكا القويةِ العظمى …"
هكذا كان يقول وقد ملأ الإسلام قلبه، هو يعرف تماماً أن أي معركة يخوضها ضد ضميره ودينه هي معركة خاسرة، كان يقول متفاخراً "أنا أعرف كيف أوجّه الضربة القاضية إلى خصومي داخل الحلبة" لذلك كان ابتلاؤه أن يصمد أمام خصومه خارجها، في حلبة الحياة الواسعة، حيث يمكن للكلمات أن تصرعك أرضاً بقوة أكثر من اللكمات، كان الامتحان في معتقده بالتحديد ذلك الذي اعتنقه عام ١٩٦٤م قبل بداية محنته مع حرب فيتنام.
"وبين ضجيج هتافات المعجبين، وبريق فلاشات آلات التصوير، وقفت لأعلن إسلامي أمام ملايين الشهود، الذين تحلَّقوا حول الحلبة، مردّداً أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"
محمد علي المنحدر من عائلة مسيحية سوداء متوسطة الدخل استطاع أن يشق طريقه بمعونة الله نحو الإسلام بعد أن سطع نجمه، وكأن هذا الملاكم الشهير كان قد أخذ عهداً منذ أن غير اسمه من (كاسيوس مارسيلوس) إلى (محمد علي) وأعلن إسلامه، أن تكون حياته القادمة نظيفة مثل اسمه الجديد، كان يقول: "لقد تخلّصت من اسم العبودية" لقد أصبح حراً بالإسلام، وأخلص حقاً لهذه الحرية.
بعد إسلامه خاض حرباً عنيفة في الإعلام ضد من وصفوهُ بالمتهرّب والمنتمي لجماعاتٍ إجرامية وغيرها، خسر لقبه، ومُنع من ممارسة أكثر ما يبرع فيه؛ الملاكمة، أصبح مديوناً وهو يتردَّد على المحاكم لأربع سنوات يدافع فيها عن براءته وسط شعب كامل يعتبره الأكثر إجراماً وكراهيةً في أمريكا، فقط لأنه يدافع عن حقه في ممارسة معتقده الذي يمنعه من قتل أولئك الأبرياء في فيتنام.
"كنت لأقول إنكم تملكون نوعين من القانون، قانون البشر وقانون الله، أنا أتبع قانون ربي الله أنا أتكل على الله ليحميني … أتكل عليه بالكامل"
دارت السنوات، و تغيّر الرأي العام بشأن حرب فيتنام، أتى ذلك منصفاً لمحمد علي الذي كان موقفه صادقاً وواضحاً منذ البداية، زاد أنصاره، وزاد الضغط على خصومه، لتعلَن براءته من تهمة التهرب من الجيش! ويصير حراً كما أراد.
هذه المرة يعترف به الجميع، بل ويصبح أيضاً محبوبهم الأول، ها هو يعلم القرآن، يبني المساجد، يخصص أمواله في كل ما يخدم الدين، صار سفيراً للنوايا الحسنة إلى فيتنام، الآن الكل يريد أن يصبح محمد علي كلاي، لقد أصبح هذا المسلم قدوة لعدة أجيال مضت وأخرى قادمة أيضاً.