فجر (ويندهوك)
من (ماسيرو) القريبة تنبعث روح جديدة فى أنحاء ( (وندهوك)، نسمع عن أسماء مثل جاكوبس سلمان، وجعفر جاسوج، وعن صمت تلك الوجوه البيضاء القادمة من برلين، وعن ذاك الصوت وقد بدأ بتبديد عتمة ناميبيا.. إنّها قصة الإسلام في هذا البلد المنزوي!..
وكأنّما للألم جينات سريّة، تتناقلها الأجيال على غفلة إلى أن تفضحها الملامح، ربما حين يقع الظلم تتكوّن له ذاكرة خاصة، يحملها أحدهم كعبء يثقل كاهله لايعلم من أين جاء، لا يضعه إلا عندما يرشده الله إلى الهداية.
وأفريقيا تعرف الألم كما لم يعرفه أحد من قبل، هذه أرض (سفالة)، بلاد (الواق واق) أو (برّ الزنج) كما دُوّنت في التاريخ على يد العرب من الرّحالة والتّجار والمؤرخين كالمسعوديّ وابن خلدون، تقسمها الحدود الجغرافية إلى دويلات، منها دولة (ناميبيا) اليوم الواقعة على ساحل المحيط الأطلنطي.
ناميبيا الغنية بالثروات، صارت محطَّ أطماع الألمان عام ١٨٨٤م فاستعمروها، وحينما يطأ الألمان أرضاً فاعلم أن المجازر سوف تُرتكب، وهكذا وجد شعب ناميبيا -المكون من عرقيات عديدة- نفسه أمام مجازر تفوق الخيال، تطهيرٌ عرقيٌ ممنهج، قتلٌ وتشريدٌ واغتصابٌ للأراضي، نالت قبيلة (ناما) منها حظَّاً عظيماً حتى إن أكثر من نصف أفرادها لقوا حتفهم، ومن نجا منهم حمل معه هذا التاريخ الدّامي الذي سيتذكره كلما رأى أحد أبناء جلدته يتحدث الألمانية بعدما صارت لغة رسمية في ناميبيا ذات حين.
من هؤلاء كان (جاكوبس سلمان دامير) من قبيلة (ناما)، وهم اليوم يُعدّون من أكثر الأفراد في ناميبيا اعتناقاً للإسلام؟ فكيفَ أسلم هؤلاء؟ وما علاقة جاكوبس بذلك؟
لنا أن نقول: إن الإسلام حديثُ عهدٍ بهذه الدولة، إذ لم ينتشر رسمياً إلا في أواخر القرن التاسع عشر، بُني وقتها أول مسجد في ناميبيا في منطقة (لودريتز) والذي ظلّ قائماً حتى اللحظة كمسجدٍ ومركز إسلامي دعوي، ويقال: إن (جعفر جاسوج) من قبيلة (ناما) أيضاً، أول من دخل الإسلام في ناميبيا عام ١٩٧٨م، تُعدُّ قبيلة (ناما) أو (ناماكوا) ثالث أكبر قبيلة في ناميبيا وأحد أهمها أيضاً.
كان (جاكوبس) أحد أهمّ السياسيين البارزين في البلد، ساقته أقداره إلى أن يحضر مؤتمراً إسلامياً في (ماسيرو) عاصمة (ليسوتو)، وهناك استيقظت الروح، ولعلّه أدرك في صميم قلبه أن الإسلام هو طريق الهداية، هو الخلاص من هذا الغبن الذي نحمله في قلوبنا، الإسلام يحمل الحل الذي يخلصنا من ألم التاريخ، الآن نستطيع أن نتحرر مطمئنين من ذاكرة الألم هذه، لأننا نعلم أن هنالك عدالة إلهية قادمة لامحالة.
أسلم (جاكوبس)، ولم يحتفظ باسلامه لنفسه فحسب، بل عاد محدّثاً به كلّ أبناء قبيلته، وكلّ من أراد أن يستمع لكلمة الحق، وبذلك أصبح أول داعية إسلامي محلي، جعل من قبائل (ناماكُوَا) أحد أكثر العرقيات إسلاماً في ناميبيا.
يُقدّر عدد المسلمين في ناميبيا اليوم بحوالي ٧٠ ألف مسلم من أصل ما يقارب مليونين ونصف المليون مواطن ناميبي، معظم الجالية المسلمة في العاصمة (وندهوك)، بنوا حوالي ١٣ مسجداً مختلفاً في البلاد، ومنهم -بالطّبع- المهاجرون من الجنسيات المختلفة حول العالم، لا يزال الإسلام هناك حديث عهد، يحتاج إلى مزيد من الدعم والتنوير، ولا يزال أهل ناميبيا توّاقين إلى كلمة الله وكأنّما ينتظرون الدّاعيَ فقط، ولعلّ الأغلبية المسيحيّة التي نُصّرت أيام الإستعمار لا تمثِّل لها المسيحية سوى ديانة أُجبر عليها الأجداد وسط غياب الدعوة الإسلامية، ما يفتح المجال أيضاً لمزيد من الأمل في هذه الأرض الحافلة بالتاريخ.