هدية من نيجيريا لإمام مسجد (ويندهوك) القادم
فى ناميبيا بات المجتمع المسلم الصغير، يرفع صوته بالآذان كل يوم، وبات المجتمع غير المسلم يعرف أن بجواره أمة مسلمة صغيرة تكونت من خيوط وقصص كثيرة، منهم هذه العائلة النيجرية ومنهم هذا النصراني الذي أصبح إماماً، ثم الأمة التي تكونت من أمثاله..
أن تقرأ تاريخك هنا يعني أن تتساءل حول حقيقة ما تؤمن به، فالديانة كانت وجهاً من أوجه الإنتماء إلى ماضٍ دامٍ أبيدت فيه عائلاتنا وراح ضحيته الأجداد، نحن اليوم نصارى في ناميبيا، لكننا لا نعرف ماذا كنّا قبل ذلك العهد المشؤُوم من الاستعمار الألماني.
على الأقل نعرف بعضاً من تاريخنا القديم، قبل أن نصل لما هو عليه الحال اليوم، حين كنا نضع الذهب مكان السّلع التي يأتي بها التجار العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية، وحين يصبح صباح اليوم التالي، يجدون الذهب قيمةً لبضاعتهم، ويا لها من تجارة رابحة.. وهكذا أسمَوا أرضنا في الجنوب الأفريقي هنا (سفالة الذهب).
وكأيِّ أرض غنية بالثروات الطبيعية مثل الألماس والذهب، كنا محطَّ الأطماع، ثم أتى عهد الاستعمار الذي نصَّر كلَّ من تبقى من أهل البلاد، مع أنَّ تاريخنا يلتصق بالمسلمين أكثر من هؤلاء الحفنة من الأوروبيين، فلا صرنا نصارى حقاً ولا بقينا مسلمين، حتى إنك تجد منّا من يظنّ بأنّ الإسلام فرع من فروع النصرانية!
أنا (محمد نوغومبو)، اليوم في مدينة (أوساكاتي) مسقط رأسي أو في العاصمة (ويندهوك) أو غيرها من مدن ناميبيا تستطيع أن تستيقظ على صوت عذب ينادي "الله أكبر" لقد حفظ الناميبيون صوت الأذان، باتوا الآن يعرفون أن المسلمين يؤذنون لصلواتهم خمس مرات في اليوم، ولأنّنا قلّة في مجتمع تسيطر عليه النصرانية، العديد منا لا يدرك حقاً ما هو الإسلام، ولكنّني كنت محظوظاً للغاية حين حفّتني عناية الله بأن أرسل إليَّ من يدلُّني على الإسلام دون حول مني ولا قوة.
" في الأعوام التي كنت فيها مسيحياً كنت أذهب إلى الكنيسة وأدعو أمام تماثيل لا روح فيها، وهذا الأمر كان يثير لدي التساؤلات، وعندما بلغت الحادية والعشرين من عمري قدمتْ إلى حينا أسرة نيجيرية مسلمة، وفي تلك الفترة كان عدد المسلمين في ناميبيا لا يذكر لقلتهم"
محمد نغومبو
إنها البركة التي وضعها الله عز وجل في عاداتنا وتقاليدنا، فنحن شعوب تعرف بعضها بالمعاشرة والمخالطة، يعرف الجيران بعضهم البعض جيداً، نحبُّ أخلاق أحدهم فنهبُّ لمعرفة المزيد عنه، أو حتى التعلُّم منه، وهكذا أثّرت فيَّ هذه الأسرة المسلمة، كما فعلت عائلات مسلمة كثيرة داخل ناميبيا، وإذا كنا قد تنصّرنا عنوة، فاليوم ندخل الإسلام طواعية، ليت أولئك المستعمرين يروننا اليوم، إنها الحرية المرجوة حين نخلع كلّ ثياب الإستعمار، إلى ما يُكوِّننا حقاً كشعب وكغاية أخيرة في الحياة.
كان عمري واحداً وعشرين عاماً حين اعتنقتُ الإسلام، قالوا لي بأنَّ الله في كلّ مكان، يسمعك ويعرفك ويبصر حقيقة قلبك، إنّه ليس في الكنيسة ولا في يد القس، لك أن تدعوه في أي مكان وقتما شئت، كانت تلك نقطة تحول في داخلي، تلك بحدِّ ذاتها حرية أخرى حلمت بها.
تعلَّمتُ الإسلام على يد هذه الأسرة النيجيرية المسلمة، وبعدها منَّ الله عليَّ بزيارة المدينة المنورة لأتعمَّق في فهم الدين أكثر، وحين عدت إلى موطني صرت إماماً لهذا المسجد في (ويندهوك).
النامبييون ليسوا وحدهم من يشكّلون المجتمع المسلم في ناميبيا، هناك مهاجرون من جنسيات عربية وغير عربية وصلوا إلى ناميبيا كتجّار أو مهاجرين واستقروا وشكّلوا أيضاً نواةً للمجتمع الإسلامي هنا، أما نحن أبناء هذه الأرض، فلا عجب أنّنا نحبّ الإسلام، إنّ الإنسان بطبعه يحبُّ الحقيقةَ أكثر حين يتعرض لظلم شديد، لذلك تجد أنّ الإسلام هو الديانة الأولى والأكثر انتشاراً داخل السجون، لماذا؟ لأنّه السلام، والخلاص من العذاب الدنيوي إلى حياة أخرى بالآخرة، لأنه لا حقوق تضيع في الإسلام، ولأننا نجد فيه عزاءً لكلّ آلامنا وأوجاعنا، فما بالك بشعب كامل قاسى شتّى أنواع الظلم، تاريخه قاتم للغاية، لا بدَّ وأن يكون الإسلام هو المحطة التالية، وكل ذلك بتوفيق الله.