حديقة الموت


دفن فيها مئات الصحابة رضي الله عنهم، وسميت بحديقة الموت.. هل زرت الجبيلة؟

لعل روحك تتوق إلى زيارتهم والترحُّم عليهم، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخيل إليك أنك لو طويت الأرض فاقتربت منهم ما استطعت، لربما تجد شيئاً من طيفهم يحوم حول المكان، أو ربما تنزل الهداية نوراً على قلبك من عند المولى عز وجل عظة بالطريق التي سلكوها نحو الشهادة.

فاسلُك الطريق إليهم إذاً… وسر حوالي النصف ساعة - ٤٠ كيلومتراً شمالاً- من الرياض إلى حيث قريتي العيينة والجبيلة، واسأل عنهم يدلُّك الجميع إليهم، حيث سور المكان الذي كان فيما مضى حديقة غناء جرت فيها أعتى المعارك حتى سميت بحديقة الموت.

ها أنت قد وصلت، أنت الآن هنا في عقرباء في أرض اليمامة، عند سور الحديقة…

رمال هذه الأرض حملت أقدامهم عام ١١هجرية وهم ١٠ آلاف في مواجهة ٤٠ ألفاً! معظمهم ممن يحملون كتاب الله في صدورهم، صحابة كرام خلَّدوا بطولات لم يُرَ مثلُها، فصارت المثوى الطاهر لشهدائهم رضوان الله عليهم.

بجانب السور تجد شاهداً كتب عليه "مقبرة شهداء اليمامة" فارفع يديك بالدعاء لهم مستصحباً معك بطولاتهم آنذاك.

تذكّر مثلاً كيف اشتدَّ القتال على المسلمين وهم بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، فثبتهم، وآثر كل حامل لواء من الصحابة الشهادة على الإستسلام؛ فاستشهد أكثرهم ببسالة ضارية دفعت جيش مسيلمة الكذاب إلى الإحتماء داخل أسوار الحديقة العالية، مغلقين عليهم بابها حتى لا يدخلها المسلمون.

هنا برز أحد أبطال المعركة، البراء بن مالك رضي الله عنه، ممن حضروا معركة أحد، وكان بطلاً مقداماً معروفاً بشجاعته وبسالته، تراه إذ يقول لأصحابه: "يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة" فقالوا: "لا نفعل" فقال: "والله لتطرحُنّي عليهم" 

تخيل معي جيشاً ضخماً يحتمي داخل الأسوار، فجأة يقفز من أعلاها رجل واحد يسقط من السماء وكأنما يلقي بروحه في النار، يباغتهم بسيفه ويشق طريقه ليفتح باب الحديقة من الداخل فيدخل جيش المسلمين من خلاله، وينتزع النصر المبين بإذن الله!

 

 

سال الدم على كل أخضر، وقُتل مسيلمة الكذاب رأس الفتنة ومن معه من المرتدين الذين حشدوا جيوشهم ضد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه 

وانتهت المعركة… لعلَّها كانت الجبهة الأشرس في حروب الردة التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه فجمع بذلك شمل المسلمين وحفظهم بعون الله من الشتات وتكالُب الأمم.

اليوم ترى ملامح العمران من حولك كيفما قلبت ناظريك، فيما مضى كان كل ذلك رياضاً ومزارع وسهولاً. تذكَّر وأنت تسير في طرقات الجبيلة صحابة رسول الله رضوان الله عليهم وهم في مثواهم، كيف كانت لتكون أحوالنا لولا بسالتهم التي وفقهم الله إليها، تذكَّر الشهداء حملة القرآن وخذ منهم (سالم مولى أبي حذيفة) الذي كان من أحسن الناس صوتاً في ترتيل القرآن فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك" أو كما قال صلوات الله عليه.

وأقرئِ السلام على زيد بن الخطاب أخي الصحابي عمر بن الخطاب رضوان الله عليهما، وعلى ٥٠٠ من الصحابة أو يزيدون ممن رضي الله عنهم من الشهداء، سلام الله عليكم إلى يوم الدين.

 



شارك هذا المقال :


بحث