هكذا دخل الإسلام السلفادور
تسقط غرناطة، وتشتعل محاكم التفتيش، تستعد إسبانيا لاستعمار العالم، فيُبحر كولومبس، تحمل سفنه بعض رواد الأمس، فتشرق أجزاء أخرى من العالم.. ولتعرف دول مثل السلفادور الإسلام ..
في هذه الزنزانة المظلمة كُبّلت أيديهم وأرجلهم، رجال مسلمون، بحارة، وعلماء فلك، كان كل ذنبهم هو تمسّكهم بعقيدتهم، تصل إلى مسامعهم بعض صرخات المعذبين بجوارهم بلا حول ولا قوة، وفي الخارج تعلو أصوات أخرى لسجال بين رجال شرفاء وجلادين، في أمر لا يمكن أن يوصف بأقل من الإبادة الجماعية، ليس للأرواح فحسب، بل أيضاً لكل ما يمكن أن ينطق لسان حاله فيقول: أنا مسلم.
نحن الآن في الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر قلاع المسلمين عام ١٤٩٢م، إنه العهد الأصعب الذي عاشه المسلمون على هذه الأرض، ها هي الكنيسة الكاثوليكية تقيم محاكم بحق المسلمين عُرفت بمحاكم التفتيش، لا تحتاج هذه المحاكم إلى بينة واضحة لتلقي بك في الزنزانة، فالشك هنا بينة، والضحية لا تملك حق الاعتراض.
لكن مصيراً مختلفاً كان ينتظر هؤلاء الرجال، قدر ساقه الله إليهم، فإسبانيا كانت قد أعدت أكبر أسطول بحري لاستكشاف العالم، إنها بداية عهد المستعمرات التي تقاسمتها دول عديدة، لكن نقصاً حاداً في رجال أكفاء لاح بالأفق.
هنا وسط ساحة مكتظة ينادي رجل بأعلى صوته: "أين العلماء؟ أين البحارة؟ " فلا يجيبه أحد! أسطول بحري كهذا يحتاج إلى قيادة رشيدة وعلم موثوق، ولا يملك هذين الأمرين إلا المسلمين الذين قاموا بإبادتهم! لذلك بدلاً عن الساحات أخذ البحث منحىً آخر! إنه الآن داخل الزنازين، تعالوا يا علماء الفلك، تعالوا أيها البحارة المسلمون، هذه هي ورقة الخلاص.
على الشاطئ الآخر من العالم تقع هذه الأرض، إنها موطن السكان الأصليين في الأمريكيتين، تمازج روحي حدث عندما وصل إليهم المسلمون كأول مستكشفين لهذه الأرض رغم كذب روايات التاريخ التي مجدت كولومبس كأول الواصلين، هؤلاء المسلمون كانوا بلسماً في هذه الأرض الجديدة، تعايشوا معاً بطريقة جعلت من السكان الأصليين الذين أُطلق عليهم الهنود الحمر، يحبون الإسلام وأهله، فاعتنقوه وزُينت بيوتهم بآياته ولو كانت على بساطتها، تصبح لاحقاً هذه الأرض معقلاً لحملات التنصير! تتحول فجأة إلى ديانة أخرى أُجبر عليها بعض أهلها أيضاً بينما طُمست هوية آخرين، حتى صارت أرض "المسيح المخلص" السلفادور!
بعد انقطاع طويل للإسلام عن السلفادور وقلة عدد المسلمين بعد حملات التنصير، هبت روح جديدة معاصرة من قلب الكنيسة كي تحمل رسالة الإسلام مجدداً، (أرماندو بقيلة) هو من وفقه الله لبث هذه الروح، فلسطيني الأصل عن أجداده من العرب الذين هاجروا إلى السلفادور شكلوا نسبة من المسلمين هناك، لكنه سلفادوري الهوى، مسيحي الديانة، يرتاد الكنيسة بانتظام منذ صغره، يسخر منه قس ربما لأصوله العربية، يطرده وينعته بالمسلم، في موقف لا يفهمه هذا الطفل الصغير آن ذاك ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره، الأمر الذي جعله يبحث أكثر عن الإسلام، ومن ثم يقرر اعتناقه بعد ١٥ عاماً.
جهود (أرماندو بقيلة) في السلفادور تروي قصة كفاح عظيمة سيخلدها التاريخ، اليوم يشهد له مسلمو السلفادور بالأثر الذي تركه في قلوبهم، وها هو الإسلام يتسلل مجدداً إلى هذه الأرض كما بدأ بتدبير إلهي، وكأنما يأبى أن يرحل أبداً.