هينجي موموبي
فى مكان ما من (شيآن) المدينة الصينية ذات التاريخ العريق، وجدت هذه السجلات، وقد كتب فيها أخبار عن جزيرة العرب "أن ملكهم يدعى (هينجي موموبي)، وأن بلدهم أسست قبل 24 عاماً ، وقد مضى منهم ثلاثة ملوك حتى الآن" نحن نتحدث عن قصة مبعوث الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه إلى الصين .
بلباسه العربي، وملامحه الغريبة كان ذاك الرجل يشقُّ طريقه وسط مدينة "تشآنغآن" الصينية، إنه صباح الخامس والعشرين من أغسطس من العام 651 للميلاد..
سنترك الرجل يمضي إلى المكان الذي جاء من أجله، قصر (تانغ) الأسرة الملكية التي تحكم الصين آنذاك..
لتقودَنا خطواتنا عبر الطرق المرصوفة في المدينة ذاتها وبعد أكثر من 1600 عاماً إلى سجلات مهمة موضوعة بعناية فى إحدي بنايات (شيآن) وهو الاسم الحديث لـ"تشآنغآن" والتي كانت في الماضي تمثل حاضرة الصين وعاصمتها.
لنقرأ فى إحدى السجلات والتي تخصُّ أسرة تانغ القديم ما يلي: "إن الوفد القادم من أرض بعيدة جداً نقل إلى الإمبراطور أنباء جزيرة العرب، التي شهدت ظهور نبي بعثه الله من بين العرب، داعياً إلى التوحيد»…. وأن ملكهم يدعى (أمير المؤمنين) فأطلقوا عليه بالصينية "هينجي موموبي" وأنّ بلدهم أُسِّست منذ أربع وعشرين سنة، وقد مضى مـنـهـم، ثلاثة ملوك حتى الآن".
هل كان رجلاً واحداًَ أم مجموعة من الرجال؟
لم نجد شيئاً واضحاً، غير أن صاحبنا الذي رأيناه فى السوق كان قد وصل إلى القصر، وكان قد عُرف في السجلات الصينية القديمة بأنّه أول مبعوث إسلامي للصين.
كان حضوره لافتاً، وقد بدَا واثقاً بنفسه، حاملاً بيده الرسائل التي حمّله إياها خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ها هو يقف منتصباً فى منتصف البلاط الملكي لأسرة "تانغ" وبين يدي الإمبراطور" تانغ قاو تسونغ " فيما عيون رجال الإمبراطور على جانبي المجلس تلاحقه وتتابع حركاته بتعجُّب..
كيف لا يقدّم هذا الغريب احترامه بالانْحناء والرّكوع للإمبراطور الذي يُعتبر عند شعبِه "إبن السماء" وهو كلّ شيء.
يعلن المبعوث عن نبئه إلى الإمبراطور، يُعرِّفه بالإسلام الذي بعثه الله إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبدولتهم الحديثة ..
على الرغم من كل التواصل التجاري والرحلات السابقة، إلا أنّ هذا الاتصال، كان قد سُجِّل على أنه أول اتصال رسمي بين المسلمين والصينين، لتتوالى بعدها بعثات الـعـرب أثناء حكم أسرة تانغ وذلك لأكثر من 37 مرة، حيث تجاوز حكم أسرة (تانغ) أكثر من ثلاثة قرون، وهي الفترة التي غطت عهد الخليفتين عثمان، وعلي، بالإضافة إلى العصرين الأموي والعباسي.
لكنّ هذه الصلات العربية الصينية لم تنقطع، إذ استمرت حتى بعد إنتهاء حكم أسرة تانغ ، ففي عهد أسـرة سـونـغ (967 هـ-1168م) وفدت 49 بعثة عربية من حكام المسلمين، استُقبلوا فيها إستقبالاً حاراً وتنامت بينهم التجارة ، حتى كانت التجارة مقصورة على المسلمين في ذلك الحين، فسُنّت القوانين لحمايتهم، وتكريمهم.
ووفق السجلات الصينية، فقد تركّزت أكبر تجمعات العرب المسلمين طوال عهد أسرة سونغ في كانتون (خانفو)، وتشينغ جينغ (مدينة الزيتون- تشيوانتشو)، حيث بلغت أعدادهم ١٠ آلاف عربي في كلٍّ من هذين الميناءين خلال القرن العاشر.
وخلال تلك الفترة أُنشِئ مسجد تشينغ جينغ ، والذي ما تزال بوابته تنتصب إلى اليوم بارتفاع ٢٠ متراً، على طراز المسجد الأموي بدمشق، منحوتة على جدرانه لوحة تقول إن العرب بنوه في سنة 400 هجرية (1009م)، وقام بترميمه أحد المسلمين القادمين من القدس، واسمه "أحمد"، عام ( 710 هـ-1310 م)، وفي جنوب شرق المدينة خصص تاجر عربي -اسمه الشناوي- قطعة أرض لدفن الموتى المسلمين ما تزال بـاقـيـة إلـى الآن، تحمل شواهدُها كتابات عربية، وآيات وأحاديث ومرثيات، تكسوها الخضرة، بعدما تحولت إلى حديقة أثرية.