لامو العربية
لامو الصغيرة الغافية في حضن البحر الافريقي، تأسرك بسرها وروحها العربية، فهي التي أسسها أخَوَان من (أزد) العمانية.. فأصبحت اليوم أحد أشهر الوجهات السياحية في كينيا ، لكنها مازالت تحتفظ بسرها ذاك.. تعرّف على تاريخها ..
أصواتهم تعلو والنيران تحيط بهم وسط البحر، لباس إحرامهم الأبيض هذا لم يشفع لهم على متن سفينتهم وهم في رحلة العودة من الحج إلى شواطئ الهند، رجال ونساء وشيوخ وأطفال في مشهد مؤلم لعب فيه القرصان الشهير " فاسكو دي جاما" دوراً رئيسياً.
تعجَّبتَ من الاسم؟ نعم هو ذاته المستكشف البرتغالي الشهير الذي ناكف ماجلان في شهرته، هو لم يكن سوى غطاء تُحرِّكُه الحملات الصليبية التي انطلقت بعد سقوط الأندلس عام ١٤٩٢م كي تغزوَ كل مسلم في داره فتقتله، أو أن تقطعه عن جذوره، كان هذا الرحالة -أو القرصان- هو من مهَّد الطريق للبرتغال عبر رأس الرجاء الصالح عام ١٤٩٨م لتصل سفنهم لاحقاً إلى سواحل شرق أفريقيا حيث كينيا اليوم، إلى حيث كانت واحدة من أكثر الممالك الإسلامية إشراقاً، مملكة (بات)، ومن قبلها (لامو) على ذات الساحل.
جاءت إمارة (لامو) الإسلامية أولاً عام ٧٢٩م حين أسسها أخوان من (أزد) العُمَانية لتكون معقلاً لهم بعد هروبهم من سطوة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أراد قتالهم وفرْضَ سيطرته على المنطقة، لينزلوا أخيراً هنا في جزر أرخبيل لامو شرق أفريقيا، حيث كينيا اليوم، ويقيموا فيها إمارة إسلامية ساهمت في نشر الإسلام في ربوع كينيا وعلى ساحلها ايضاً.
بعد ما يزيد عن الخمسة قرون بقليل تشكَّلت إمارة أخرى، أو لنقل هذه المرة سلطنة جديدة، جاءت نتيجة مصاهرة بين «سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني» الذي ينحدر من العائلة الحاكمة في عُمان، وابنة حاكم مملكة (بات) الواقعة في أرخبيل لامو، انتهت بأن يرث النبهاني مقاليد الحكم بعد وفاة الملك، فيؤسس بذلك سلطنة إسلامية ضخمة ١٢٠٣م توسعت على ساحل كينيا كله، وكان لها أثر عظيم في تشكل وحدة إسلامية على ساحل أفريقيا الشرقي، وساهمت أيضاً في تكوُّن اللغة السواحلية المكتوبة بالحروف العربية والتي هي بالأصل مشتقة من العربية ذاتها قبل أن يقوم الاستعمار بتحويل حروفها إلى اللاتينية بغاية فصْل المسلمين هناك عن جذورهم ودينهم.
لنطُفْ مع الرحالة ابن بطوطة في رحلة حول المكان، فقد زار ساحل شرق أفريقيا عام ١٣٣١م وقال: "إن السكان ودودون وشرفاء وصالحون، ولديهم مساجد خشبية جيدة البناء"
لعله زار أيضاً دار الشورى حيث مقر الحكم، فهكذا كان يُطلَق عليه في سلطنة بات الإسلامية، أو ربما مرَّ على تلك المزارع الخصبة التي انتشرت في كل مكان، هنا قصب وهناك بعض القرنفل، ولعله أحب تلك الحيوية التي وجدها في الطرقات، كيف ازدهرت التجارة وانتعش هذا الساحل ممتلئاً بالحياة.
ولكنه، ولله الحمد، لم يشهد الغزاة البرتغاليين وهم يحرقون المزارع ويقتلون المسلمين أينما وجدوهم في محاولات عدة لفرض سيطرتهم باءت جميعها بالفشل رغم فداحة الخسائر، كان حينها تكاتُف ساحل شرق أفريقيا الإسلامي مع سلاطين عمان قد شكَّل تحالفاً قوياً صدَّ هجوم البرتغاليين عدة مرات، إلى أن جاء البريطانيون بفكرة تدس السم في العسل!
جاء البريطانيون وهم يرفعون الرايات البيضاء، لينشئوا في سلطنة بات شركة شرق أفريقيا البريطانية التي تعمل في كل أصناف التجارة، والتي كان من أهم أهدافها الخفية استعمار المنطقة والاستفادة منها سياسياً واقتصادياً.
وشيئاً فشيئاً صار قنصل بريطانيا وقتها بمثابة الحاكم الفعلي للسلطنة، وصارت كلمته لا تُردُّ في بلاط الحُكم، فكم مرة يا تُرى أكلنا من ذلك العسل؟
خرجت بريطانيا عن ساحل كينيا عام ١٩٦٣م بعد أن نفَّذت مخططاتها التي جاءت بالمكر لا بالعسكر، نصَّبت على شرق أفريقيا ذي الأغلبية المسلمة الساحقة حينها حُكَّاماً نصارى أخذوا زمام الحكم وضيقوا على المسلمين وأئمتهم ما بين معتقل ومنفي ومقتول.
اليوم ترى حالاً آخر لما كانت تُعرف بسلطنة بات، حيث ساحل كينيا الشرقي، فالمسلمون في كينيا يجاهدون ليحظَوا ببعض حقوقهم الأساسية، كتعليم نظامي مكفول باللغة العربية لا لغة المستعمر، كأن يعاودوا الاتصال بجذورهم ولغة القرآن، تراهم يُنشئون مدارس قرآنية ومعاهد تُعلِّمُ الشريعة الإسلامية كبادرة رفض للذوبان في نظام تعليمي لا يعترف بهم ولا بلغتهم أو دينهم، فأسسوا مجلس الأئمة والعلماء ليقدم برامج توعية عدة في جميع أرجاء كينيا، كما أسسوا المنتدى الوطني لقادة المسلمين، لعل كلمتهم تُسمَع، ولعلهم بكل جهودهم المبذولة هذه يوفقهم الله إلى مجتمع أفضل يحفظ حقوقهم في حياة تليق بماضيهم الذي كان وحاضرهم الآتي بعون الله.