شارك هذا المقال :


مرحبا مدغشقر

الدولة: مدغشقر

السميط، الحروف العربية، وأيام الأسبوع، والمشربيات، بماذا تذكرنا مدغشقر أيضا؟ تاريخنا العربي المنثور في هذه الجزيرة النائية..

هذه الجرّافة تزيل بيتاً قديماً، بل بيتاً تراثياً يحمل التاريخ، أحياناً لا تملك القدرة أن تسأل الجرافات والمعاول عن السبب، لكنك تملك حق الحسرة على ما كان فيما مضى شاهداً لآثار العرب المسلمين هنا في جزيرة مدغشقر.

سِرْ بين المنازل العتيقة متأملاً ما بقي منها، هذه الأقواس التي تزين الأبواب الخشبية تبدو هي ذاتها كما في الطراز الإسلامي، وهنا مشربيات خشبية حجازية عتيقة، أو ربما يمنية، هذه الدور التي أخذت طابعاً عربياً كانت لضيوف حلّوا على هذه الجزيرة فيما مضى قبل ١٤ قرناً أو يزيد.

فجزيرة مدغشقر الواقعة أقصى الجنوب الشرقي لسواحل أفريقيا، حملت سفن المسلمين من العرب الذين قدموا إليها واستقروا فيها في شكل هجرات عدة، أحد أقدمها كان إبان الفتنة بين علي رضي الله عنه ومعاوية، هنا وجدوا أرضاً أخرى كان لبقائهم فيها ثمرة غالية، إذ نشروا فيها الإسلام بسماحته حتى أحبّ سكان الأرض لغة القرآن الذي آمنوا به.

حتى اليوم تسمعهم يقولون (سبوتي، أهادي، اثنين، ثلاثة، أربعة، كميس، زمعة) هكذا ينطقون أيام الأسبوع، لا تزال تسمعهم أيضاً يحيونك بتحية الإسلام، السلام عليكم، لا يأكلون الخنزير ولا يذبحون إلا بعد التكبير، تراثهم حي زاخر بالإسلام، قبائلهم تتسابق في البوح بسرّ أصولها! لقد كان أجدادنا عَرَباً وافدين ونحن منهم.

عاشت مدغشقر عهداً ثرياً بالإسلام، تجد قبائل مثل (ساكالافا، والتسمحيتي، والانتيمبوهاكا، والانتيساكا، والانتيمور، والانتينوسي) أكثرهم ثبتت أصولها العربية بحثاً وتقصياً، بل حتى إنك لا تحتاج أحياناً لأكثر من النظر في قسمات وجوههم وملامحهم.

يتناولون هنا حكايا عديدة عن تلك السفينة العربية التي غرقت قبالة سواحلهم، لقد كانت تحمل نُسَخاً من القرآن الكريم، ضياع هذه النسخ دفع العرب إلى أن يقوموا بصناعة ورق خاص ليدوّنوا فيه القرآن عُرف بورق الأنتيمور نسبة لقبيلة الأنتيمور التي تصنعه، يُكتب فيه بالحرف العربي كتابة تسمى (بالسرات) تيمناً بسور القرآن، لا يزالون حتى اللحظة يصنعونه بأيديهم وإن كانوا يفعلون ذلك اليوم كجزء من التراث الذي يودون الحفاظ عليه.

 

     

وكعادة المستعمر فإنه لا يكفي أبداً أن تحتل أرضاً، بل تذكّر وأنت تحتلها أن تزيل آخر بقايا ملامح إسلامية تجدها فيها.

دخلت البعثات التبشيرية عام ١٨٢٠م، ومن ثم أتى الاستعمار الفرنسي ١٨٩٥م، نكّل بمسلميها أشدّ التنكيل، فحظروا استخدام الاسم العربي وغيروا أسماء العديدين لمحو هويتهم، بل حتى إنهم صادروا حروفهم العربية التي كانت تكتب بها الملغاشية، فصارت أحرفاً لاتينية، ليس الأمر بجديد، فتلك الجارة السواحيلية قد تجرعت أيضاً من ذات الكأس.

"التابو" لكاتبه جورج أمبروف، كتاب تجد فيه اعترافاً صريحاً بتأثير العرب والمسلمين في مدغشقر وكيف سبقوا المسيحية إليها التي وإن بدت اليوم ذات تأثير كبير في حياة سكان مدغشقر، إذ يعد ٤١٪ منها مسيحيون، بينما يمثل المسلمون اليوم ٧٪ فقط وإن كانت أعدادهم في تزايد مستمر.

"نحن لا نخفي أصالة عروبتنا لكن بسبب أوضاعنا الاقتصادية المتردية لا نستطيع زيارة إخواننا العرب في مكة، لأننا نريد أن نكون بينهم، نقترح على إخواننا العرب ابتعاث عدد من أفراد القبيلة إلى الوطن الأم ليعرفوا جذورنا عن قرب"

راماناسيترا كاريفو- ملك من ملوك قبائل الأنتيمور

تخيّل أن تعبر نهراً مليئاً بالتماسيح على قارب مكوّن من جذع شجرة مفرغ! تلك رحلة خاضها الدكتور والداعية عبد الرحمن السميط وهو في مدغشقر كي يصل إلى قرية هناك تسمى مكة! وكانت المفاجأة أن أهلها لا يعرفون شيئاً عن الإسلام وإن كان لا يزال أثره باقياً في بعض معتقداتهم وطقوسهم. 

يلتقي الدكتور بأحد ملوكهم ليخبره عن توقه للذهاب إلى مكة أو ابتعاث بعضهم إلى هناك كي يتعلموا عن الإسلام، وكان أن كلّل الله كل هذه الجهود بإسلام القرية كلها إسلاماً صحيحاً يروي ذلك الظمأ إلى الأجداد الذي لازمهم طوال حياتهم.

 



شارك هذا المقال :
الدولة: مدغشقر


بحث