مزارعو سفينة ليونايدس
قصة الإسلام في فيجي، سفينة ترسو، وحلم يستمر
يوجد على هذه الأرض الزاخرة بالحياة من يريد أن يوحد الله، وسط هذه الأدغال، الطبيعة، وفي هذه المنطقة المعزولة رجل ينتظر أن يلبي داعي الله، كان قد أغمض عينيه فاستيقظ على حلم رآه، هناك من سيأتي لأجلي، وأنا سأجيبه.
فيجي هذه الجزيرة الساحرة، أي تاريخ أحاط بها مثلما فعلت مياه المحيط الهادئ؟ وما علاقة هذا الرجل بحكايا التاريخ؟
عد بنا إلى الوراء إلى عام ١٨٣٣م "الآن أصبح لكل شيء ثمن! ونحن لم نعتد على ذلك" كان ذلك لسان حال البريطانيين المتضررين من إعلان تحرير العبيد الذي أصدر في تلك السنة.
كانت مزارع قصب السكر هذه في فيجي تزرع وتحصد من قبل العبيد دون أية تكلفة تذكر، ينام ويستيقظ المستعمر على صوت جني الثمار، لكنها الآن باتت مهددة بالزوال!
تقرر بريطانيا لاحقًا أن للحرية ثمن على المستعبدين أن يدفعوه لهم عدة أضعاف وبشتى الأشكال والطرق، حتى ولو نال هؤلاء الحرية، لا بد لنا أن نستمر في استغلالهم، ما تبع ذلك من قلق وفوضى في أروقة السياسة البريطانية وملاك الأراضي كان شيئًا لا ينسى.
لاحقًا في مايو من عام ١٨٧٩م ترسو سفينة ليونايدس (Leonidas) على شواطئ فيجي، هذه الجزر البركانية الواقعة في المحيط الهادي والتي صارت تتبع بريطانيا بعد أن سلمها حاكمها لهم إبان غرقها بالديون التي لم تستطع سدادها، كيف ولماذا؟ تلك قصة أخرى، إذ كانت فيجي مستعمرة بريطانية أخرى أرادت بريطانيا استغلالها جيدًا بعد إعلان تحرير العبيد.
تنزل الأشرعة، وتلقى القوارب في الماء، وتصل أول مجموعة من ركاب السفينة الى اليابسة، كان أول ما فعلوه هو أن سجدوا لله شكرًا، نعم لقد كانوا مسلمين.
كان لكل واحد من هؤلاء المسلمين القادمين من الهند عقد عمل اطلق عليه اسم (Girmit) في يديه، وعلى خلاف الماضي لم يكن أي واحد منهم مستعبدًا، بل كانوا أحرارًا، ولكنهم وقَّعوا على اتفاقية أشبه بالعبودية، كانت هذه العقود تجبر حاملها على ضرورة إكمال المدة المشروطة في العمل بالحقل ٥ سنوات، مع امكانية تجديد العقد لخمس أخرى، كل ذلك بأجر زهيد، وفي ظروف لم تتحسن كثيرًا عما عايشه الذين أتوا قبلهم مستعبدين في هذه الأرض.
حيلة بريطانيا هذه ضمنت استمرار العوائد بأقل قدر من الخسارة، لكن هذا النوع من التعاقد، هو ذاته الذي شكل النواة الأولى للتواجد الإسلامي في جزر فيجي الخلابة.
من الهند قدم المسلمون لأجل العمل، قاموا بحراثة الارض و زراعتها، كونوا معًا مجتمعًا اسلاميًّا متماسكًا، كانت كلما وفدت إليهم مجموعة أخرى ازدادوا ثباتًا وإقدامًا، لم تستطع ظروف العمل القاسية على اقتلاع ديانتهم من قلوبهم، بل صاروا أشد حرصًا عليها من ذي قبل.
اليوم تسير على الأرصفة فترى محال تجارية كثيرة يديرها مسلمون من أصول هندية في فيجي، هؤلاء بعض الذين ظلوا في البلاد بعد تحررهم من عقود (Girmit) الظالمة، تسمع أصوات المآذن تصدح، لقد كان أولئك العمال أول من بنى هذه المساجد رغم كل الذي عانوه إبان فترة عملهم تلك، لم يكن يُسمح لهم بالصلاة وتستقطع أجزاء من رواتبهم الضئيلة لأقل الأخطاء، كان تمسكم بإسلامهم جهادًا حقيقيًا كل يوم، جهاد استمر لبعضهم عشر سنوات بلا رحمة.
توسع المسلمون لاحقًا شيئًا فشيئًا، حتى صار السكان الأصليين يعتنقون الإسلام. اليوم تسمع أصوات من يقرؤون القرآن، تنتشر في فضاء الجزيرة فتزيدها بهاءًا، ترى طلاب المدارس الإسلامية وهم في طرقات الجزيرة، تلك هي فيجي اليوم..
فالإسلام لم يكن غريبًا عن فيجي، لذلك لم يكن غريبًا أيضًا عن زعيم هذه القرية الذي رأى في منامه رجلًا يقدم إليه من بعيد، فيدعوه للإسلام، فيسلم، ومن ثم يطلق على نفسه اسم "محمد علي".
وكان من فضل الله أن تحقق هذا الحلم بالتمام بعد ست سنوات، يأتي داعي الله إليه رغم وعورة الطريق، يدعوه إلى الإسلام فيقبل، وكأنه بفعله هذا شكل امتدادًا جديدًا لاؤلئك الهنود الذي سجدوا على أرض فيجي منذ قديم الزمان، وكأن ذكراهم وتضحياتهم النبيلة هذه ظلّت تشحن نفوس الأهالي كلهم بنور الله، فصار في صدورهم كثير من السعة للإسلام وعظمته.